Pages

Friday, December 16, 2011

لا تقولوا الديمقراطية كفر (مصطفي محمود) !!



الحضور الإسلامى على الساحة العالمية طولا وعرضا من أقصى الغرب فى الولايات المتحدة الأمريكية ( 6 ملايين مسلم بين سود وبيض ومهاجرين ) الى الجاليات العربية فى كندا شمالا الى انجلترا وفرنسا والمانيا فى قلب أوروبا بما فيهم من ملايين الجزائريين والمغاربة والعرب والهنود الى الشرق .. تركيا والبانيا .. الى القارة الأسيوية الشاسعة حيث نجد دولا بكاملها إسلامية مثل أذربيجان وأوزبكستان وتركمانستان وتتارستان وكازاخستان وبنجلاديش وباكستان .. وكشمير واندونيسيا وجزر القمر الى القارة الهندية ذاتها وفيها أكثر من مائة مليون مسلم .. الى أفريقيا جنوبا حيث الدول العربية من مصر والسودان وأريتريا .. الى لبنان وسوريا وفلسطين والعراق والخليج والمملكة العربية السعودية واليمن .. الى تونس وليبيا والجزائر والمغرب والسنغال وموريتانيا على المتوسط والأطلسى الى الصومال فى الحزام الإستوائى الى تشاد والنيجر فى عمق الصحراء. ألف مليون من البشر أو يزيد تحت راية واحدة هى راية لا إله إلا الله ..
هذا الحضور الكبير بعمقه التاريخى تعرض للحصار والتمزيق وتعرض للتحدى وتعرض للغزو الفكرى وتعرض للحروب الفعلية المتعددة من قوى الإستعمار التى نزلت بذاتها وثقلها فى الماضى ونهبت الثروات وحطمت الامبراطوريات ورحلت بعد أن أعملت التفتيت والتقسيم والتمزيق وبعد أن خلقت حدودا مشتعلة وأقامت زعامات عميلة وتركت جروحا غائرة .. وظل الإسلام باقيا رغم البلاء.
ولما لم تنفع تلك الفتن فى القضاء على الإسلام طرحوا علينا الفكرة الماركسية وأغرقونا فى صراع اليمين واليسار وأوقعونا فى الخراب الشمولى الإشتراكى .. ومن لم يقبل الماركسية استدرجوه الى القومية والعروبة والذين تحمسوا للقومية والعروبة نسوا أن الذى جعل للعروبة راية وصوتا ووحدة كان الاسلام .. وقبل الاسلام كان العرب قبائل تقتل بعضها بعضا لا نفير لها ولا راية .. بل أن اللغة العربية ذاتها لم يكن لها ذيوع ولا أنتشار قبل القرآن الكريم
ودارت الدوائر وسقطت الماركسية واختفت الشيوعية وأفتضحت القومية وتعرت الشعارات الزائفة فاستداروا ليكروا علينا بوجوه جديدة وشعارات جديدة .. هذه المرة إسمها الليبرالية والعلمانية أما الليبرالية فهى ان تفعل ما تشاء لا تسأل فى حرام أو حلال.
وهى غواية لها جاذبيتها فهم سوف يلبون لك شهواتك ولذاتك .. ولكن لذاتك ليست هدفهم بل هدفهم عزل الدين وإخراجه من الساحة وإبطال دوره
وأدواتهم هذه المرة هى السينما والمسرح والملهى والمرقص والبار والخمور والمخدرات والنساء الباهرات. وكغطاء فلسفى لتلك الهجمة الشرسة جاءوا بالعلمانية .. دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله .. ولله المسجد تصلى فيه وتتعبد وتسجد وتركع كيف شئت .. ولكن الشارع لنا والسياسة لنا ونظلم الحياة الحياة من شأننا ولا شأن لله فيه ولا أمر ولا نهى لله فيه .. (نعم للعقيدة ولا للشريعة).
والمعركة ما زالت دائرة ونحن فى معمعتها والراية هذه المرة هى .. الاسلام السياسى .. نكون أو لا نكون .. وهم ما زالوا يمكرون بنا .. فان خروج الإسلام من الحياة سوف يعقبه خروج الاسلام من المسجد ثم هزيمته الكاملة .. فالاسلام منهج حياة ولا يمكن أن يكون له نصف حياة ولا أن يسجن فى صومعة.
وليكسبوا المعركة قبل أن يخوضوها جعلوا من الاسلام السياسى خصما للديمقراطية .. ووقع السذج من المسلمين فى المخ فقالوا معهم ان الديمقراطية كفر .. وهذا منتهى
أمانيهم.
والحق الذى لا مراء فيه أن الاسلام لا يمكن أن يكون خصما للديمقراطية .. فالإنتخاب والبيعة والشورى والإستماع الى رأى الخصم هى صميم الإسلام والتعددية فى الرأى أساس فى الاسلام بينما الأنفراد بالرأى والدكتاتورية والقهر مرفوض من الاسلام جملة وتفصيل.
واليوم والمعركة تدور يجب ان يفهم كل مسلم أين يقف ومع من
وضد من ؟
وسوف يخسر المسلم كثيرا اذا وقف ضد الديمقراطية. بل سوف يخسر دينه وسوف يخسرنفسه
والحقيقة أن الديمقراطية ديانتنا وقد سبقناهم اليها منذ إيام نوح الذى ظل يدعو قومه بالحسنى على مدى تسعمائه سنة من عمره المديد لا قوة له ولا سلاح الا الرأى والحجة يدعوهم بالكلمة فى برلمان مفتوح يقول فيه ويسمع بينما هم يسخرون منه ويهددونه بالرجم.
فى تلك الأيام كان هؤلاء اليهم الهمج هم أجداد أجداد مستعمرى اليوم .. وكان نوح النبى عليه السلام هو رسول الاسلام والمتحدث بلسانه.
وحينما خرج النبى محمد عليه الصلاة والسلام فى أخر سلسلة الأنبياء .. كان الله ما زال يقول له نفس الشىء.
” من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر “
” إن أنت الا نذير “
” فذكر إنما انت مذكر لست عليهم بمسيطر “
” ما أنت عليهم بجبار “
وتلك هى الأصول الحقيقية للديمقراطية فهى تراث اسلامى .
فاذا قالوا لكم .. الديمقراطية .. قولوا .. الديمقراطية لنا ونحن حملة لوائها ونحن أولى بها منكم .
ولكنهم سوف يلتفون ليخرجوا بمكيدة أخرى فيقولوا أن الاسلام ليس فيه نظرية
للحكم.
وسوف نقول .. وتلك فضيلة الإسلام وميزاته فلو نص القرآن الكريم على نظرية للحكم لسجنتنا هذه النظرية كما سجنت الشيوعيين ماركسيتهم فماتوا بموتها .. والتاريخ بطوله وعرضه وتغيراته المستمرة وحاجاته المتجددة المتطورة لا يمكن حصره فى نظرية ولو سجنته فى قالب ما يلبث كالثعبان أن يشق الثوب الجامد وينسلخ منه.
والأفضل أن يكون هناك إطار علم وتوصيات عامة ومبادىء عامة للحكم الأمثل .. مثل العدل والشورى وحرية التجارة وحرية الإنتاج وإحترام الملكية الفردية وقوانين السوق وكرامة المواطن وأن يأتى الحكام بالإنتخاب ويخضعون لدستور.
أما تفاصيل هذا الدستور فهو أمر سوف يخضع  لمتغيرات التاريخ وهو ما يجب أن يترك لوقته.
والأيديولوجيات التى حاولت المصادرة على تفكير الناس وفرضت عليهم تفكيرا مسبقا ونهجا مسبقا قال به هذا او ذاك من العباقرة .. ثبت فشلها.
وهذا ما فعله القرآن الكريم . فقد جاء بإطارعام وتوصيات عامة ومبادىء عامة للحكم الأمثل .. وترك باقى التفاصيل لإجتهاد الناس عبر العصور .. ليأتى كل زمان بالشكل السياسى الذى يلائمه.
وفى خضم الإجتهاد الإسلامى سوف تجد محصولا عظيما تأخذ منه وتدع .. من أيام الشيخ محمد عبده والأفغانى وحسن البنا والمودودى الى زمان مالك بن نبى والنهدى بن عبود والزندانى الى أبراهيم بن على الوزير والشيخ محمد الغزالى والشعراوى وياسين رشدى والدكتور محمد عمارة وكمال أبو المجد .. موسوعة من الفكر سوف تمد من يقرأها بمدد من الفهم لا ينفد .
والسؤال الذى يخرجون به من وقت لاخر: ألا يحرم الاسلام على المرأة أن تعمل ..؟ وهم لا يكفون عن ترديده.
واقول لهم هاتوا أية واحدة من القرآن الكريم تثبت كلامكم والأمر القرآنى للنساء بالقرار فى البيوت كان لنساء النبى
وكان مشفوعا فى مكان اخر بالاية .. يا نساء النبى لستن كأحد من
النساء .
وتلك اذن خصوصية لزوجات الرسول عليه الصلاة والسلام
وهل رايتم زوجة ريجان تعمل او زوجة بوش لها بوتيك .. ان كل واحدة منهن عملها الوحيد زوجها.
وهن زوجات رؤساء علمانيين .. فما بال زوجة سيد البشر وخاتم الانبياء صاحب الرسالة الكبرى .. كيف يجوز ان يكون لها عمل اخر غير زوجها ؟!
الخصوصية هنا واضحة وهى لا تنسحب الا على من كان مثلها من نساء الامة ومن كن فى مثل ظروفها.
والكلام الأخر السخيف الذى يرفض الدولة الاسلامية لنها دولة دينية .. لم يفهم كلمة عمر بن الخطاب وابى بكر وهما السادة والمثل .. حينما يقول الواحد منهما صبيحة بيعته.
ان اصبت فاعينونى وأن أخطات فقومونى. لا عصمة لحاكم إذن . ولا حكم إلهى فى الاسلام .. وانما هو حكم مدنى ديمقراطى يخطىء صاحبه ويراجع.
وقولهم بأن الاسلام يقف سدا منيعا امام اجتهاد العقل .. بمقولته الشهيرة .. لا أجتهاد مع النص .. وما أكثر النصوص .. بل القرآن الكريم كله نصوص.
اقول لهم .. لا يوجد فى القرآن الكريم نص أكثر تحديدا وصرامة من قطع يد السارق وقد جاء فى  القرآن الكريم نصا مطلقا لا استثناء فيه.
” والسارق والسارقة فقطعوا أيديهما ” .
ومع ذلك فقد اجتهد النبى عليه الصلاة والسلام فى فهم النصر فلم يطبقه فى الحروب واجتهد فيه عمر ابن الخطاب فلم يطبقه فى عام المجاعة .. وهى استثناءات لم ترد فى القرآن الكريم فضربا بذلك المثل على جواز الاجتهاد وجواز عمل العقل حتى فى نص من نصوص الشريعة .. فما بال النصوص الأخرى التى لا تمس حكما أو عبادة.
أما حكاية الفن والتناقض الذى خلقوه بين الفن والدين ليجعلوا من الاسلام عدوا للجمال .. اقول حتى الشعر والشعراء الذين قال عنهم القرآن الكريم أنهم ” يتبعهم الغاوون وأنهم فى كل واد يهيمون .. وأنهم يقولون مالا يفعلون .. عاد فاستثنى .. قائلا ” الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات ” وينطبق هذا على الفنون كلها .. فهى جميعها تخضع لنفس القاعدة
حسنها حسن وقبيحها قبيح .. كل ما يدعو منها للخبر هو فن حسن وكل ما يدعو للفساد والافساد هو فن قبيح وهى قاعدة يطبقونها حتى فى الغرب فهم يقولون عن كثير من الأعمال الفنية أنها رديئة وهابطة .. والفن الردىء عندهم متهم .. هو فى كل مكان
والمعركة مستمرة ..
ولكنا فى حاجة الى كتيبة تجدد الدين وتقاتل خصومه باسلحة العصر وليس يفتاوى الف سنة مضت
فالاسلام السياسى هو اسلام ينازع الاخرين سلطانهم .. وهو بطبيعته يريد ارضا يقف عليها غيره .. وهو لا يريد أن يحكم بل يريد ان يحرر أرضه المغتصبة .. ويريد أن يحرر عقولا قام الأخرون بغسلها وتغريبها .. ويريد ان يسترد اسرته وبيته .. بالكلمة الطيبة وبالحجة والبيئة وليس بتفجير الطائرات وخطف الرهائن .. بالسياسة لا بالحروب .. بالحوار الحضارى لا بالاشتباك العسكرى
ولكنهم لن يعفطوا الفرصة لهذا الحوار الحضارى
وهم ينتظرون سقطه من زعامة متخلفة ويتعللون بصيحة عنف يصرخ بها منبر ضال أو عربة ملغومة يفجرها عميل ثم يتطوع عميل اخر ليقول أنها من عمل الجهاد الاسلامى او شباب محمد او حزب الله .. ليثبروا بها ثائرة الابيض والاحمر والاصفر على الاسلام
واهله ..
ولكن أهل العلم يعلمون  أن العدوان مبيت منذ عشرات السنين منذ سقوط الخلافة العثمانية ومنذ وعد بلفور وتهدير مطاريد اليهود من اقطار العالم وجمعهم فى اسرائيل واقامة الترسانة النووية والكيميائية والميكروبية فى داخل القلعة الاسرائيلية وتحطيم اى سلاح عربى منافس وهم يخططون من قديم لهذا اليوم والمعركة مستمرة .
وسوف تستمر بطول ما بقى من زمان الى يوم الدين
ولن تكون معركة سهلة.
وطوبى لهم .. من كانوا من ابطالها ..

16-5-1992


0 comments:

Post a Comment