Pages

Wednesday, December 29, 2010

أبيض !!



أحب الأطفال.. ذلك المزيج المدهش من البراءة والبلاهة وخفة الظل والحجم المضحك يجعلني أستمتع بشدة عندما أجلس بالساعات فقط لكي أتأملهم.. أحياناً أذهب خصيصاً إلى النادي وحيداً لكي أشاهدهم وهم يلعبون.. يتحدثون بلغتهم الممتعة.. يتشاجرون من أجل لا شيء.. حتى بكاءهم أحياناً يجعلني أضحك.

اقترب مني في صمت.. كانت رأسه بالكاد تبلغ ركبتي وأطرافه كلها تعبر عن أحد تطبيقات النانوتكنولوجي على الكائنات الحية.. نظر لي في فضول.. يا الله ما هذه الروعة!.. ربما كان يحاول أن يستكشف سر السماعات التي أضعها في أذني.. أو يحاول أن يرى ما وراء النظارة الشمسية التي أرتديها.. حاولت أن أستغل الفرصة في أن أشاركه حواراً فكرياً راقياً.

- اسمك إيه؟
- أحمد
- إيه رأيك يا أحمد تاخد دماغي وتديني دماغك؟
- إذاي يعني؟ ماينفعث ..
خلعت نظارتي ووضعتها على عينيه.. غطت النظارة أكثر من نصف وجهه الصغير وجعلته يبدو كالغواصين..
- أنا كده إديتك نظارتي وممكن أديلك دماغي كلها برضو..
- إنت بتضحك عليا
- يا عم أحمد صحصح معايا.. إنت فاكر إنك لما هتكبر هتفضل دماغك كده؟ لازم تجيب دماغ كبيرة عشان تكبر
- ....
- وبعدين هديلك دماغ فيها شنب ودقن كمان
- طب ما هو إنت ممكن تضحك عليا وتاخد دماغي وتجري؟
- وأنا هعمل إيه بدماغين ؟
- طيب هروح أسأل ماما
تشعر أنك تتعامل مع عقل عالزيرو.. لم أكن أطلب منه أن يعطيني دماغه عبثاً ولكني كنت بالفعل أتمنى أن أعود إلى هذه المرحلة التي كانت فيها عقولنا كصفحة بيضاء لم يكتب فيها أحد.. كانت الحياة أكثر سهولة بالنسبة لنا فقد كان كل ما هو مطلوب منا أن نطيع أوامر الآخرين دون أن نحاول أن نقرر أو نختار.. كانت أكبر التحديات التي تواجهنا أشياء مثل كتابة الهمزة أو تعلم ركوب الدراجة.

كنا في أغلب الوقت مطيعين.. يكفي أن يقول لنا أحدهم "كخ كده" فنترك ذلك الكده فوراً دون حتى أن نفهم أو نقتنع.. أما الآن فقد تعلمنا جيداً الفرق بين الصح والغلط وفهمنا كذلك أننا سوف نحاسب بشكل أو بآخر على تصرفاتنا.. ورغم ذلك ما زلنا نرتكب نفس الأخطاء.

عندما كنا صغاراً كانت ضربة خفيفة على ظهر اليد كفيلة بأن تجعلنا ننفجر في البكاء لساعات.. كنا نبكي أيضاً عندما نتعثر في السير أو نفشل في صعود السلم.. الآن أصبحت دموعنا أكثر تجمداً لدرجة أننا نستطيع أن نشاهد نشرات الأخبار دون أن تهتز لنا شعرة، رغم أن ما تحمله أخبار النشرة يؤكد أننا تجاوزنا مرحلة التعثر منذ زمن.

دائماً نحاول أن نعلّم الأطفال ولكننا لم نحاول أبداً أن نتعلم منهم.. غرورنا أقنعنا أننا أفضل منهم لمجرد أننا أكبر حجماً.. وأضعنا وقتاً وجهداً في محاولة البحث عن حل لمشاكلنا الأخلاقية رغم أننا وُلدنا في الحالة المثالية التي لو حافظنا عليها لأصبحت حياتنا رائعة.. الصدق.. البساطة.. التواضع.. الأمل.. كلها أشياء فقدناها مع الوقت دون أن نشعر ويكفي أن تنظر إلى أي طفل لكي تتأكد من أننا كنا نمتلكها جميعاً.

دعونا نحاول أن نعود كما كنا ولو مجرد محاولة.. سنشعر بسعادة أكبر بكل تأكيد.. ودعونا نساعد أطفالنا على ألا يصبحوا مثلنا فهم أملنا في مستقبل أفضل.. وتحية إلى كل من يبذل مجهوداً من أجل تلوين مستقبلهم الذي هو في الواقع مستقبلنا.

إهداء إلى "ميكانو"

من مدونة المبدع : عمر كامل 

0 comments:

Post a Comment